safaa eldin Admin
المساهمات : 77 تاريخ التسجيل : 28/10/2011 الموقع : https://www.facebook.com/pages/كل-عام-وأنتم-بخير/227813633919701
| موضوع: لبيك اللهم لبيك فضل عشر ذى الحجة السبت أكتوبر 29, 2011 8:10 pm | |
|
1- إبراهيم عليه السلام يترك زوجه وابنه في البلد الحرام. 2- أفئدة الناس تهوي إلى البيت الحرام استجابة لدعاء إبراهيم. 3- حجة الوداع ووصاة النبي بالحج والحجيج. 4- الحج ودرس الاستسلام لله والعبودية له. 5- الحج ودرس الوحدة الإسلامية. 6- اغتنام عشر ذي الحجة بالعمل الصالح.
الخطبة الأولى أما بعد: جاء إبراهيم عليه السلام بزوجه هاجر وابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما بمكة، في تلك البقعة المقفرة، والأرض الموحشة، وبين الجبال المصمتة، بواد غير ذي زرع، ثم مضى إبراهيم منطلقاً، فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي لا أنيس ولا شيء؟ فقالت له مراراً، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، فقالت: إذاً لا يضيعنا الله، قالت ذلك بكل صدق وتوكل على الله. إذا لا يضيعنا الله، فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين، اذهب واترك المرأة ورضيعها فربها لن يضيعها، فالحفظ عباد الله ليس بكثرة الأموال ولا بعدد الأولاد، بل بصدق التوكل والاعتماد، وسؤال الله التوفيق والسداد، وما أعظمه لو تحقق في قلوبنا وقلوب العباد. ثم رجعت، فانطلق إبراهيم عليه السلام ثم دعا: رَّبَّنَا إِنَّى أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلوٰةَ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مّنَ ٱلثَّمَرٰتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ[إبراهيم:37]. وجعلت أم إسماعيل ترضع ولدها وتشرب من ماءٍ كان معها، حتى إذا نفد ما في السقاء، عطشت وعطش ابنها، فجعل الرضيع يتلوى، يطلب الماء ليتروّى فقامت على الصفا، ثم أتت المروة سبع مرات، إلى أن سمعت صوتاً فقالت: صه، ثم تسمّعت فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، بحث جبريل بعقبه حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه بيدها وتحبسه فقال جبريل: دعيه فإنها رواء، أي: كثيرٌ مُروٍ. ورحم الله أم إسماعيل كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((لو تركت زمزم ـ أو قال ـ لو لم تغرف من الماء لكانت عيناً معينا)) رواه البخاري. وفي رواية: ((لو تركته كان الماء ظاهراً))، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ماء زمزم لما شرب له)) رواه ابن ماجه وأحمد. وأخرج الحاكم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: ((فإن شربته تستشفي به شفاك الله وإن شربته مستعيذاً أعاذك الله، وإن شربته ليقطع ظمأك قطعه الله)). ثم قال لها الملك: لا تخافوا الضيعة، فإن ها هنا بيت الله، يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله. ويستجيب الله دعاء الخليل: فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ. إن الناظر إلى أرض الحرمين في موسم الحج يرى عجباً، ويزداد لوعةً وشوقاً، وهو يتأمل مواكب الإيمان، وقوافل عباد الرحمن، جاؤوا عن رغبة وطواعية، ألسنتهم تلهج داعية، وأعينهم باكية، تسأل الله الرحمة والعافية، هديرهم تكبير، حديثهم تسبيح، نداؤهم تلبية، دعاؤهم تهليل، مشيهم عبادة، زحفهم صلاة، سفرهم إلى الله والدار الآخرة، وغايتهم رضوان الله ومغفرته، تركوا الديار والبلاد، والأهل والأولاد، واجتازوا الصعب والمهاد، ترى مظهراً من مظاهر العبودية الخالصة لله رب العالمين. تمر السنون، تتوالى القرون، ووفود الله يتزايدون في لقاء إيماني واجتماع سنوي، يقدمون من أماكن بعيدة، وبلدان سحيقة، ومن كل فج عميق، إلى واد غير ذي زرع، ليس فيه ما يستهوي النفوس، كل ذلك استجابة لله قائلين: ((لبيك اللهم لبيك)). والعبودية لله في الحج من أعظم ما يحصّله العبد من المنافع والفوائد، وكفى به شرفاً وفضلاً. عباد الله، حج المصطفى صلى الله عليه وسلم حجة واحدة، حجة جموع ودموع، حيث تقاطرت الوفود من كل فج، لتنال شرف الصحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي يوم عرفة من هذه الحجة العظيمة، نزل قول الله تعالى: ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناً [المائدة:3]، وعندما سمعها عمر بن الخطاب رضي الله عنه بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: (إنه ليس بعد الكمال إلا النقصان) وأعظِم به من فقه عمري لأنه استشعر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. وسميت حجة الوداع. روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نتحدث بحجة الوداع والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، ولا ندري ما حجة الوداع. وكان صـلوات ربي وسـلامه عليه يقول: ((إني والله لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا)) رواه الدارمي. وكان صلى الله عليه وسلم يقول في كل موطن: ((لتأخذوا عني مناسككم)) رواه مسلم. ((لتأخذوا عني مناسككم)): وصية النبي صلى الله عليه وسلم لكل حاج أن يتعلم أحكام الحج قال الله تعالى: فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ [النحل:43]. ((لتأخذوا عني مناسككم)): وصية النبي صلى الله عليه وسلم لكل من شرّفهم الله بمباشرة خدمة الحجيج، أن يتقوا الله فيهم ويسلكوا بهم هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، إحراماً وتفويجاً، إفاضةً ومبيتاً، طوفاً وسعياً، نصحاً وإرشاداً، بيعاً وشراء. أن يحسنوا الاستقبال، ويؤدوا الواجب بلا استغلال، بالكلمة الطيبة، بالطريقة الطيبة، وبالأمر بالمعروف بالمعروف، وبالنهي عن المنكر من غير منكر. ((لتأخذوا عني مناسككم)): وصية النبي صلى الله عليه وسلم لكل حاج، ليعلم أن الحج نسك وعبادة، وموسم خير وطاعة، فعرفة ومنى ومزدلفة وأم القرى، يترفّع فيها الحاج وكذا في كل مكان وزمان، يترفّع عن المنازعات والشعارات، أو الدعوى بدعوى الجاهلية وإثارة النعرات، ويحذَر التهم الباطلة وترويج الإشاعات، فهذه أرض المشاعر، وحريّ بالمسلم أن يحقق فيها أطيب الأخلاق والمشاعر.
أحبتـي عـاد ذهنـي إلى زمــنٍ معظمٍ في سـويدا القلـب مستطـر كأننـي برســول الله مرتديــاً ملابـس الطهـر بين الناس كالقمر نـور وعـن جانبيه من صحـابتـه فيـالـقٌ وألـوف النـاس بالأثـر ساروا برفقة أزكى مهجةٍ درجــت وخيـر مشـتملٍ ثوبــاً ومؤتـزر ملبيـاً رافعـاً كفيــه فـي وجل لله فـــي ثـوبِ أوّابٍ ومفتقـر مُرنمـاً بجـلال الحـق تغلبـــه دموعـه مثل وابل العـارض المطـر يمضـي ينـادي خذو عني مناسككم لعـل هـذا ختـام العهـد والعمُـر وقـام فـي عرفـات الله ممتطيـاً قصـواءه يالـه مـن مـوقف نضِر تأمل الموقف الأسـمى فمـا نظرت عينــاه إلا لأمــواج من البشـر فينحنـي شــاكـراً لله منّتَــه وفضلـه من تمـام الديـن والظفـر يشـدو بخطبتـه العصمـاء زاكيةً كالشـهد كالسلسبيل العذب كالدرر مجليـاً روعة الإسلام فـي جمـلٍ من رائع من بديـع القـول مختصـر داعٍ إلى العدل والتقـوى وأن بهـا تفاضل الناس لا بالجنـس والصـور مبينـاً أن للإنسـان حرمتـــه ممرغـاً سـيّء العـادات بالمــدر يا ليتني كنت بين القوم إذ حضروا مُمَتَّعُ القلـب والأسـماع والبصـر وأنبـري لرســول الله ألثُمُـهُ علـى جبيـنٍ نقـي طاهـر عطـر أقبِّل الكف كف الجود كم بذلت سحّاء بالخـير مثـل السلسـل الهدر ألـوذ بالرّحـل أمشـي في معيته وأرتـوي مـن رسـول الله بالنظـر أُسّـر بالمشي وإن طال المسير بنا وما انقضى من لقاء المصطفى وطـري أمـا الرداء الذي حج الحبيب به يا ليته كفـن لي فـي دجـى الحُفـر يا غافـلاً من مزاياه وروعتهـا يَمّـم إلى كتُـبِ التـاريخ والسـير يا رب لا تحرمنا مـن شفـاعته وحوضه العذب يـوم الموقف العَسِـرِ عباد الله، إن المتأمل في أعمال الحج يستلهم دروساً خالدة، ومعاني سامقة منها: أن المسلم يتعود في الحج الاستسلام لله رب العالمين، والاستجابة والخضوع له والطاعة. فهاجر تقول لخليل الله عليه السلام: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. فأعلنت استسلامها وأذعنت لأمر ربها وخضعت لخالقها قائلة: إذاً لا يضيعنا الله. وأكرم بها من طاعة، في أرض مقفرة لا أنيس ولا ماء، ولا طعام ولا أخلاء. ويَأمر الله إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه حين بلغ السن التي يفرح فيها الوالد بولده، ولو أُمر غيره بالذبح لكان أهون فكيف إذا كان الذابح للولد أبـاه؟ يٰبُنَىَّ إِنّى أَرَىٰ فِى ٱلْمَنَامِ أَنّى أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَاء ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ [الصافات:102]. فيعلن الوالد والولد استجابتهما وانقيادهما وخضوعهما. فتأتي أعمال الحج لتركز هذا المفهوم وتعمق هذا المدلول، ولهذا لا غرابة أن تجد بأن المتمردين هنا مطيعين هناك. فهناك يقف الحاج في عرفة ولو تأخر عنها أو تقدم بطل حجه، ويطوف حول الكعبة وهي أحجار مغطاة بستار، ويقبّل الحجر الأسود الذي لا يضر ولا ينفع، يؤدي ذلك ليتربى على الاستسلام والاستجابة، ويتعود على الخضوع والطاعة، قائلاً في كل نسك وفي كل أمر ونهي: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك)) حتى إذا عاد إلى بلده وبيته، وفي عمله وتعامله، وسمع الأوامر الإلهية والزواجر الشرعية قال: ((لبيك اللهم لبيك)) يعلنها في سائر شؤون حياته، كما كان يصدح بها على صعيد عرفات، إذ كيف يستجيب لله في تقبيل حجر ولا يستجيب فيما يجلب الخير ويدفع الضرر. إذا سمع: يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ [البقرة:104]، أرخى لها سمعه واستحضر قلبه مستسلماً لله خاضعاً منقاداً، فهو إما خيراً يؤمر به أو شراً ينهى عنه. إذا سمع: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ [المائدة:90]، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَـٰطِلِ [النساء:29]، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مّنَ ٱلظَّنّ [الحجرات:12]، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ [المائدة:1]، ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ [المائدة:8]، وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً [الحجرات:12]. وهكذا كلما سمع أمراً ربانياً أو توجيهاً نبوياً قال دون تلكؤ وتردد: ((لبيك اللهم لبيك)) قال دون أن يعرض الأمر على العادات والتقاليد، أو يستجيب لأهواء العبيد: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ [البقرة:285]. إنه لا مناص عباد الله من أن تطيعوا، لا أن تعرضوا أوامر الله للتضييع والتمييع قـال الله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال:24]، ٱسْتَجِيبُواْ لِرَبّكُمْ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَكُمْ مّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مّن نَّكِيرٍ [الشورى:47]. ومن معاني الحج العظيمة: وحدة المسلمين واجتماع كلمتهم، يجتمعون في مكان واحد، وفي زمن واحد، على تباعد ديارهم، وتباين ألوانهم، واختلاف ألسنتهم، تجردوا من ثياب الزينة، وطهّروا قلوبهم من الضغينة. ففي صعيد عرفات، الأسود والأبيض، الأحمر والأصفر جميعاً مسلمون، برب بواحد يؤمنون، وببيت واحد يطوفون، ولكتاب واحد يقرؤون، ولرسول واحد يتّبعون، ولأعمال واحدة يؤدّون، فأي وحدة أعمق من هذه، كلهم في مظهر واحد. فما أعظم وأحوج المسلمين أن يحققوا وحدة المظهر والمخبر، والظاهر والباطن. ومهما علت النداءات وتكررت الخطابات لتحقيق الوحدة الإسلامية، فلن تتم دون أن نحقق مقوماتها، ونوجد أركانها، ومنها: تصحيح المنهج والمسار والسير على هدي سيد الأبرار، وحب الصالحين الأخيار. هذا واقع المسلمين لما تفرّقوا، تأمّل أحوالهم، وقد تبدّد شملهم، تفرّق جمعهم، تباين أمرهم، اختلفت آراؤهم، تنافرت قلوبهم، تمزّقت ألفتهم، خمدت نارهم، وركدت ريحهم، بل أصبحوا غثاء كغثاء السيل، كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم. وأفظع من هذا وأعظم أن ترى الدماء الجارية من أجساد المسلمين الطاهرة بأيد مسلمة. ونتساءل بكل حيرة وعجب، أيقتل المسلم أخاه المسلم بلا سبب؟ هذا الذي كان يمتنع حال إحرامه عن قتل الصيد في الحرم، بل عن تنفيره وإثارته، وهناك تراه يسعى لقتل أخيه وإبادته، دون وازع من دينه، أو رادع من إيمانه وعبادته. قلّب بصرك أنّى شئت، تر العجب العجاب، ولن ينفع العويل ولا الصراخ والعتاب. ولقد بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم حرمة المسلم للأمة، وذلك في خطبة حجة الوداع العظيمة فقال: ((فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)) رواه البخاري. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم)) أخرجه الترمذي. أيها المسلمون، في كل منسك من هذا الركن العظيم مغزىً، وعلى كل بقعة معنىً، ولعل في ما ذكر من إشارات ما تتم به السلوى قال الله تعالى: وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ [البقرة:197]. بارك الله..
الخطبة الثانية أما بعد: ما زلتم عباد الله في موسم من مواسم الخير العظيمة، والأيام الفاضلة هي للطائعين مغنم، وللصالحين ميدان للتنافس ومتجر. فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما العمل في أيام أفضل منها في هذه))، قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ((ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء)) أخرجه البخاري. وأخرج الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ((ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهنّ من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهنّ من التهليل والتكبير والتحميد)). فالسعيد من اغتنم مواسم الأيام والشهور، والساعات والدهور، وتقرب فيها إلى مولاه بالطاعات، فعسى أن يصيبه شيء من تلك النفحات، يسعد به سعادة يأمن بعدها من اللفحات. والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره. ويسن التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح أيام العشر، وإظهار ذلك في المساجد والمنازل والطرقات، وكل موضع يجوز أن يذكر فيه اسم الله، يجهر به الرجال وتخفيه النساء، إظهاراً للعبادة، وإعلاناً بتعظيم الله، قال الله تعالى: لّيَشْهَدُواْ مَنَـٰفِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَّعْلُومَـٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ ٱلاْنْعَامِ[الحج:28]. والتكبير في أول العشر صار من السنن المهجورة، فقد ثبت أن ابن عمر وأبا هريرة رضي الله عنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما، والمراد أن الناس يتذكرون التكبير فيكبر كل واحد بمفرده، والتكبير في الأضحى مطلق ومقيد، فالمقيد عقب الصلوات، والمطلق في كل حال، في الأسواق وغيرها. إن يوم عرفة يوم مغفرة الذنوب، والتجاوز عنها، يوم عيد لأهل الموقف، حيث لا ترى فيه إلا عابداً يتبتل، أو مؤمناً يخشع، ومصلياً يركع، وتائباً ذا عين تدمع، تُغسل فيه الآثام، وتُمسح الخطايا، وتُمحى السيئات. وخُصّ من بين أيام العشر بمزيد فضل، فرتب الشارع على صيامه لغير الحاج فضلاً عظيماً وأجراً جزيلاً، فقد ورد عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال: ((يكفّر السنة الماضية والباقية)) أخرجه مسلم. فاغتنموا ـ عباد الله ـ مواسم الخيرات، وانهلوا من معين القربات، لتنالوا رحمة رب الأرض والسموات.
| |
|